سورة الشرح - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشرح)


        


{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)}
أي إن مع الضيقة والشدة يسرا، أي سعة وغنى. ثم كرر فقال: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، فقال قوم: هذا التكرير تأكيد للكلام، كما يقال: ارم ارم، اعجل اعجل، قال الله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4- 3]. ونظيره في تكرار الجواب: بلى بلى، لا، لا. وذلك للإطناب والمبالغة، قاله الفراء. ومنه قول الشاعر:
هممت بنفسي بعض الهموم *** فأولى لنفسي أولى لها
وقال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه، فهو هو. وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره. وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر، قاله ثعلب.
وقال ابن عباس: يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا، وخلقت يسرين، ولن يغلب عسر يسرين. وجاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه السورة: أنه قال: «لن يغلب عسر يسرين».
وقال ابن مسعود: والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حجر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، ولن يغلب عسر يسرين. وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر رضي الله عنهما: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل الله بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 189].
وقال قوم منهم الجرجاني: هذا قول مدخول، لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا، إن مع الفارس سيفا، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان. والصحيح أن يقال: إن الله بعث نبيه محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقلا مخفا، فعيره المشركون بفقره، حتى قالوا له: نجمع لك مالا، فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره، فعزاه الله، وعدد نعمه عليه، ووعده الغنى بقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا، أي في الدنيا. فأنجز له ما وعده، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن، ووسع ذات يده، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة. فهذا الفضل كله من أمر الدنيا، وإن كان خاصا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى. ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفية تأسية وتعزية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال مبتدئا: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فهو شيء آخر. والدليل على ابتدائه، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف. فهذا وعد عام لجميع المؤمنين، لا يخرج أحد منه، أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة. وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة. والذي في الخبر: «لن يغلب عسر يسرين» يعني العسر الواحد لن يغلبهما، وإنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا، فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة، ولن يغلبه شي. أو يقال: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ وهو إخراج أهل مكة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة يُسْراً، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل، مع عز وشرف.


{فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {فَإِذا فَرَغْتَ} قال ابن عباس وقتادة: فإذا فرغت من صلاتك فَانْصَبْ أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك.
وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.
وقال الكلبي: إذا فرغت من تبليغ الرسالة فَانْصَبْ أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات.
وقال الحسن وقتادة أيضا: إذا فرغت من جهاد عدوك، فانصب لعبادة ربك. وعن مجاهد: فَإِذا فَرَغْتَ من دنياك، فَانْصَبْ في صلاتك. ونحوه عن الحسن.
وقال الجنيد: إذا فرغت من أمر الخلق، فاجتهد في عبادة الحق. قال ابن العربي: ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية {فانصب} بكسر الصاد، والهمز من أوله، وقالوا: معناه: انصب الامام الذي تستخلفه. وهذا باطل في القراءة، باطل في المعنى، لان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف أحدا. وقرأها بعض: الجهال {فانصب} بتشديد الباء، معناه: إذا فرغت من الجهاد، فجد في الرجوع إلى بلدك.. وهذا باطل أيضا قراءة، لمخالفة الإجماع، لكن معناه صحيح، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته، فليعجل الرجوع إلى أهله». وأشد الناس عذابا وأسوأهم مباء ومآبا، من أخذ معنى صحيحا، فركب عليه من قبل نفسه قراءة أو حديثا، فيكون كاذبا على الله، كاذبا على رسوله، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا. قال المهدوي: وروي عن أبي جعفر المنصور: أنه قرأ {ألم نشرح لك صدرك} بفتح الحاء، وهو بعيد، وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة، ثم أبدلت النون ألفا في الوقف، ثم حمل الوصل على الوقف، ثم حذف الالف. وأنشد عليه:
اضرب عنك الهموم طارقها *** ضربك بالسوط قونس الفرس
أراد: اضربن.
وروى عن أبي السمال {فإذا فرغت} بكسر الراء، وهي لغة فيه. وقرى فرغب أي فرغب الناس إلى ما عنده.
الثانية: قال ابن العربي: روي عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد، فقال ما بهذا أمر الشارع. وفية نظر، فإن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر. ودخل أبو بكر في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: «دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد». وليس يلزم الدءوب على العمل، بل هو مكراة للخلق.

1 | 2